الجمعة، 10 مايو 2013

ما الفقر أخشي عليكم






خرجت بصحبة بعض الأغنياء .. ففي الأونة الأخيرة ربما ازداد دخلي قليلا ليظنني البعض منهم ..
علمت شيئا واحدا .. انني لا اريد ان اكون منهم حقا ..
منذ بضعة أيام .. وفي بداية عملي الخاص الصغير كان يملأني رغبة وحيدة أن اصبح غنيا .. أن امتلك .. ان اقتني .. ان ابدل سيارتي .. واقتني الأي باد .. والموبايل ذي الاوبشنز ... وربما بيتا اضافية وزوجة اخري ..!!
أن اكون غنيا .. كنت اعلنها في أذن زوجتي قائلا: لا بأس بذلك ..!! .. لأ بأس أن يكون المرء غنيا .. فإن اصبحت غنيا سأخرج نسبة مئوية من دخلي للفقراء ..
ذاك الفتات الغبي الذي يلقيه الشيطان المتلبس فينا  إلي الفقراء ليخرس صوت ضمائرنا ..

لا لم اعد اود ان اكون غنيا ..
لم اخلق لهذه الحياة ..
خلقت لاتصل بالله.. خلقت للمعني .. للذة القيمة ..
انهم حقا لا يحيون .. انما تحياهم الحياة .. هم كائنات مقيتة .. تدور بهم العجلة في توهة عجيبة ...
من العمل إلي النادي إلي غداء فاخر وكافيه وسهرة تافهة .. إلي اللامعني .. حلقة مفرغة فارغة ..

اصبحت احب سيارتي التي لا اقودها يوما دون ان تتمزق اوصل ذراعي بمقودها الثقيل .. وتتشنج قدماي متوسلة للفرامل ان تستجيب .. اقودها متلفتا حولي لأن مرآتيها قد احيلت إلي التقاعد الأبدي .. عجلاتها المرقعة .. بياضها المشوب بالسحجات والكدمات والخدوش والكسور القديمة والندبات والغرز الجراحية السمكرية .. صوت حشرجة المتحدثين في كاسيتها الصيني ... مساحتها العرجاء التي فقدت توأمها المنتحرة يوما علي الطريق السريع اعتراضا علي تجاوزي سرعة 80 كم بالساعة ... زجاجها المشروخ منذ اشهر طويلة متماسك كحماة عجوز تأبي التصدع .. شنطتها الخلفية التي اصبحت مخزن بيتنا .. واحيانا اخري مكب قمامتنا .. الأوراق المتناثرة علي الكنبة الخلفية .. زجاجات المياه الفارغة في الدواسات لسيارة تعطش بمعدل اكبر من مرضي السكر .. قطع الحلوي الملقاة من يد طفلي الصغير الذي لم تلوثه الحياة بالتشبث بما في يديه .. صوتها الزاعق كزئير رجل انتهي لتوه من اشباع امرأته فخرج يعلن عن رجولته صراخا .. اندفاعها بين الميكروباصات كبطل اسطوري ليس لديه ما يخسره .. كلاكسها الحاني علي المارة وكأنه يعتمد مبدأ "التنبيه لا الترويع" .. سكودا فيليشيا 1995 .. سيارتي تصغرني ببضعة اعوام ..

اتذكر وصية النبي لعائشة : "لا تنزعي ثوبك حتي ترقعيه"

احب بيتي بأثاثه الرخيص .. وحجرة مغلقة لعدم كفاية العفش ..!! .. كمبيوتر ملقي علي طاولة السفرة التي لا تستخدم سوي في قناعات المناسبات العزومية .. تلفازنا الخفيف الذي اوقن انه سيسقط اخيرا تحت قدمي ابني العابث دوما بأسلاكه .. هي فقط مسألة وقت .. حين يأتي يوما تطون قوة شده تفوق وزن التلفاز الوحيد بالبيت .. نوفذنا التي لا نفتحها خوفا من ارتطام جدارها الخارجي برؤوس جيراننا لقرب المسافات بين البيوت .. الأدوار الخمسة التي تحفظ علينا صحتنا برياضة صعودها اليومي .. وصلة الدش اللي كانت بتجيب اجدد افلام السينما قبل ان يتشوه ارسالها .. فأصبحت متآمرة مع طفلي وكأنها لا تلتقط إلا تردد قناة طيور الجنة ..
الكتب الملقاة في كل مكان .. وفي كل الدواليب والارفف .. حتي ان زوجتي تستخدما لتوازن قاعدة الثلاجة .. !! .. ويستخدما طفلي في تعويد اذنه علي اصوات التمزيق ..!! .. النيش المقدس الذي تقدسه ربات البيوت قادسة حد عدم المس والاستخدام .. فاصبحت أوانيه للعرض فقط .. مطبخنا معدوم الباب الذي يمزج شقتنا بأسرها برائحة غداء اليوم .. ويحرم زوجتي من السؤال السخيف :"حزر فزر طبخالك إيه النهارده ؟؟"

احب عيادتي .. الملقاة في الدور الأرضي بمدخل حارة مسدودة .. وقيمة كشف تعادل قيمة 2 لتر لبن بلدي ..

خلقت لأحب حياتي .. لأشعر ان لها قيمة وغاية ومعني وهدف ومقصد وتوجه ومرجعية ومنطلق ..
حياة لها ابعاد واولويات  ..
حياة لها صبغة .. ومن احسن من الله صبغة .. لها طعم ونكهة ورائحة .. ومقادير .. ومعايير ..
حياة متخططة تلمح فيها يد العناية والحكمة العليا والتقدير والتربية الربانية والتأهيل القويم ..

امقت الأغنياء بحياتهم المعلبة .. واحلامهم المستوردة .. واجهزتهم التقنية .. وبطاقات ائتمانهم ..

اكره انهم لا يتمنون .. لأن معظم امانيهم متاحة ... لا يفكرون في اولويات خروج الجنيه لكثرة اخواته في جيوبهم ..
اكره انهم لا يقدرون قيمة اشيائهم الصغيرة .. ذكرايت الاشياء معهم .. أنهم يغدرون بحاجياتهم فليس لديهم بنطال يحمل طعم سنكحة الجامعة كمعظم بناطيلي .. ولا سيارة بطعم الحنين كسيارتي .. ولا تي شيرت من الثانوية عشرته لي ضعف عشرة زوجتي ..

اكره ماركاتهم وعلاماتهم التجارية .. فحذاء بمرتب طبيب .. ونظارة بضعف راتب مدرس .. ولعبة في يد اطفالهم بأموال قد تطعم ملجأ ايتام بأسره بضعة اشهر ...
اكره اجسامهم المشغولة بماكينات الجيم وعبوات الأمينو التي قد تكف تكلفتها وجع ظهر اولئك الكادحين التي نحت الأسفلت اجسادهم ..

اكره انهم لا يحفلون لانقضاء الوقت .. ودقات الساعة تقلقني منادية ماذا قدمت اليوم ؟؟!

اكره دخان سجائرهم .. والطاولة والشطرنج والدومينو والتلفاز واللاب والباد وغيرها مما يذهب العقل ..!! .. فأي عقل هذا الذي يستمتع بافناء ساعات عمره بلامعني ولا اضافة ..

اكره كوني يوما تمنيت ان الحق بركبهم .. أو اكون منهم ..

الحمد لله علي ما اعطاني ..

اللهم احيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ..





 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق